نبيل الملحم:
ما أن يلتقي جون كيري وسيرغي لافروف، حتى يتهامسان، لا ندري إذا ماكان همسهما، لعبة من تبادل الأطباق:
- خذ طبقاً من الهوت دوغ، وهات طبقاً من الـ بلوف.
ثم تكون المائدة.
ولا ندري أية همسات مابين الأتراك والإيرانيين:
- خذ الشاورما، وهات الـ "ديزي".
والاثنان يُقسمان أنه اللحم الحلال.. ثم تكون المائدة.
هي السياسة هكذا، نعم، وبهذا التبسيط، وكل من يعتقد بغير ذلك فهو أبله، أو مثقف (ما يعني أبلهاً أنيقاً).
- أين الغرابة في كل ذلك حين نكون نحن هي الأطباق؟ الأطباق البشرية؟
ستقولون لي:"هي استحقاقات الجيوسياسة"، نعم، ومن قال بأنها غير أطباق من نوع ما؟
أطباق خطوط الغاز، مكامن النفط، صناديق المال، تبادل الزوجات، المعادن الثمينة، ولكل مائدة فقهاؤها، ولمزيد من العلم، فقد لعبت الكوكاكولا ماعجزت عنه ساحات القتال، وها نحن نضرم النيران والبخور من أجلها.. أعني من أجل الأطباق، ونتهامس كما يتهامسون:
- طبقاً ديموقراطياً من الأمريكان، ثم نستشهد بما قدموه لنا في كابول، بغداد، القدس، وها نحن نأكله طازجاً في دمشق، نأكله لنأكل بعضنا بعضاً في مأدبة هي عسر هضم التاريخ.
- طبقاً ديكتاتورياً من يد الروس، أليس صديقنا بوتين هو القيصر؟ ألم يكن الوارث الشرعي والوحيد لجوزيف ستالين؟
ثم طبقين لخليفتين يتنازعان الخلافة، أحدهما في أنقرة والثاني في طهران، ولا ندري إذا ماكانا يستخدمان "الجمل" في حربهما لتكون حرب جمل جديدة.. جمل يقطع الصحراء بالريبوت كونترول.
- ونحن؟ أيّ نحن؟
نحن السوريون، تعالوا نسأل:
- من نحن؟ ما الذي تبقّى منّا في لعبة الأطباق؟
"بشر ضلّوا طريقهم"، هكذا يصفنا هنري كيسنجر، مع أن الكثير من مطبّات الطريق كان قد رسمها هو، بشخصه، وقلمه، وإرادته، ثم أورثها للسيدة كونداليزا رايس، تلك الفاتنة الذهبية، وقد راقصناها في أفواهنا حتى جفّ منّا الكلام.
ومادام الأمر كذلك، فما هو الطريق الذي كان لنا وفقدناه؟
بالأساس ليس ثمة طريق، ومن يدّعي أن كان له طريق أو خارطة طريق فليتفضل ويسكتنا، فكل طرقاتنا لم تكن لتقود سوى إلى أشلائنا، من القومي، إلى اليساري، إلى الإسلامي، وما أن قال الناس، كل الناس سئمنا.. ما أن قالوها حتى رقصنا على ظهورهم، ومن قال إننا لانتذكر بالتفاصيل ميدان التحرير، هبّات شباب الميدان، رقصات ناس حمّام الشطّ وهم يبحثون عن الطريق فأغلقنا في وجوههم كل طريق؟
نعم، رقصنا على ظهورهم وحولناهم إلى أطباق، ولاننسى تلك الصرخة التي أطلقتها (مناضلة)، حملت (الثورة) فوق خصرها وهي تصرخ:
- هنري ليفي يمثلني؟ وكان ذلك في باريس.
واليوم.. مايزيد عن نصف مليون قتيل، ومن لم تقتله الحرب قتله السأم، ومن نجا من كليهما مات جوعاً او افتقد الدواء، وها نحن على مائدتهم.
مئات ويزيد من فصائل السلاح.. مئات ويزيد من فصائل الفنادق التي تلحس أقدام السلاح.. مئات ويزيد من حائرين في تهريب البشر وقطع االتبديل والآثار، ومازلنا بانتظار همسات المتهامسين.
- خذ الهوت دوغ وهات البلوف.
- خذ الشاورما وهات الديزي.
الطبّاخون يطبخوننا.. هو ذا الحال الذي لاينفع معه البتة ذاك الكلام:
- البحر من ورائكم والعدو من أمامكم.
ينفعنا أن نتجول في تخومنا، ربما لانكون مائدة للآخرين.
Comments