الاضراب القانوني الذي تعتمده النقابات فيتم إعلام السلط به من خلال برقية قبل عشرة أيام، وتسبقه حتميا "جلسات صلحية" هو في الحقيقة الشكل النظامي للتحكم في حركة الشغيلة وضبطها، ومن جهة أخرى فهو طريقة لاستيعاب التمردات وحالة الغضب والتنفيس عنها بجرعات محسوبة ليتحول الاضراب، من شكل نضالي، الى حلقة من حلقات التفاوض بين السلطة والنقابة التي تكون قد أستولت لا على قرار الاضراب بل على امكانية تنفيذه، وهكذا يفقد الاضراب محتواه الحقيقي ويتحول الى مجرد تنفيذ لقرارات فوقية يتم الاعلان عنها كما يتم سحبها من هياكل هي في الغالب مجهولة من أوسع جمهور العمال والموظفين الاداريين.
الاضراب العشوائي، أو ما تسميه البورجوازية "الاضراب الوحشي" (وهو بالفعل وحشي وخطير)، هو ذلك الاضراب الذي يندفع اليه العمال في شكل جماعي وبروح نضالية عالية، فيتم تقريره وتنفيذه في نفس الوقت وبشكل فجائي وبمشاركة أغلبية العمال قرارا وتنفيذا، وبدل التفاوض يتم رفع المطالبات المحددة. وفي الغالب تتسم مثل هذه الاضرابات بطابع عنيف ومصادمات مع الأعراف أو مع قوات البوليس.
قد يحقق الاضراب القانوني مكاسب أكبر من الاضرابات الوحشية، بل إن السلطة والأعراف يطبقون أقسى العقوبات على العمال المضربين بطريقة غير قانونية، في مقابل نوع من التساهل مع الاضرابات القانونية (وصل الأمر في تونس أن الحكومة لم تقتطع حتى أيام الاضرابات القانونية أو شبه القانونية). لكن أخطر ما في الاضراب القانوني أنه يشل حركة العمال فيما هم يعتقدون أنهم يناضلون، فيستلبهم أهم ما في الاضراب، أي تلك الروح الاندفاعية وروح التآزر والتعاون وجانب المغامرة وإرساء تقليد التنظيم الذاتي الذي يكسر التبقرط العمالي ويحرم النقابة من امكانية جني أية امتيازات خلال التفاوض.
ولعل الاضراب العام القانوني المعلن من طرف اتحاد الشغل هو أكثر ما يعبر عن هذه المفارقة، بين "اضراب عام" سيشمل كل قطاع الوظيفة العمومية والقطاع العام، اضراب يفترض أنه تاريخي ومحطة نضالية عظيمة لا تتكرر دائما، وبين حالة الهدوء والانتظارية التي تسود هذه القطاعات. حتى أن السؤال الذي يمكن أن تسمعه هذه الأيام في أوساط الموظفين: "ثما اضراب والا لا؟" وكأن الأمر يتعلق بتنفيذ قرار إداري وليس بحركة نضالية بحجم اضراب عام.
لكن من زاوية نظر العمال والموظفين فتنفيذ الاضراب القانوني هو برأيي أقل الشرور، لأن فشل هذا الاضراب سيجعل السلطة تتغول أكثر وسيضعف المعنويات وقد يقطع الطريق أمام أية احتجاجات قادمة.
محمد المثلوثي، تونس، ديسمبر ٢٠١٦
Comments