Skip to main content

لبنان

مشهد الصبّي المتبجّح #ماكرون وهو يقلّد #فيروز (أحد آخر ما بقي لنا من ذكريات الزمن العربي "الجميل") بوسامه التافه، هو أعلى درجات الإهانة لسيادة وكرامة لا شعب لبنان وحده، بل كلّ شعوب المنطقة العربية. 
ممثّل الامبريالية الفرنسية، ووكيل الامبريالية الأمريكية، لم يكتف باستباحة السيادة السياسية والاقتصادية للبنان عبر تدخّله الفجّ في تفاصيل تشكيل الحكومة ومطالبته الوقحة بـ"الاصلاحات" التي حدّدها صندوق النقد الدولي وأصحابه الامبرياليون. بل هو يستبيح كذلك حتّى عالم الرموز والمشاعر ويكرّس في المخيال الجمعي الشعبي حقيقة تبعيّة #لبنان لفرنسا في ذكرى مئة عام على تأسيسها لنظامه الطائفي. 
لم أعتقد يومًا أنّ فيروز يمكن أن تتخّذ موقفا مغايرًا للترحيب بزيارة ماكرون ووسامه. فتلك هي حدود وعيها السياسي، المرتبطة حكما بموقعها الطبقي المريح، الذي يمكن أن يصل أقصاه إلى فهم التناقض الصارخ مع العدوّ الصهيوني لا إلى تمثّل التناقض العميق مع القوى الامبريالية التي تسند هذا العدوّ. فهذا يحتاج إلى وعي سياسي يساري وطني ثوري لا تملكه. لكنّي كنت آمُلُ أن يتخّذ ابنها "الرفيق زياد" موقفًا ما من هذا الأمر...
المهمّ، أنّه لا غرابة في ما يفعله ماكرون، فالرجل هرع مسرعًا منذ يوم انفجار المرفأ ليستغلّ حالة الصدمة ويغتنم الفرصة لفرض ما تردّدت الحكومة السابقة في قبوله من "اصلاحات" يعرف بعض العقلاء أنّ آثارها ستكون كارثية على البلاد وشعبها. وكان في الموعد لمساعدة زعماء الطوائف والكمبرادور اللبناني الحاكم، والوكلاء المحلّيين للامبرياليات، على انقاذ أنفسهم من غضب شعبهم مقابل استمرارهم في إدارة هذا النظام المتآكل الذي تطايرت شظاياه مع الانفجار. فباستثناء الحزب الشيوعي اللبناني - وربّما حزب النائب أسامة سعد ومجموعات أخرى - الذي اتخذ موقفا معارضا لزيارات ماكرون وكشف غاياتها الاستعمارية الواضحة، رحّبت بها بقيّة الأحزاب، بمن فيها من ترفع شعار "المقاومة" و"كرامة لبنان".
وطبعًا الموقف الأبرز هو صمت حزب ا.ل.ل.ه عن هذه الاستباحة. بل وقبوله بما يدعو اليه ماكرون من "اصلاحات". واضح برأيي أنّ قيادة الحزب "تتذاكى" وتعتقد أنّها تمارس "البراغماتية" بتفضيلها "الاستقرار السياسي والاقتصادي" الذي يؤمّن استمرارها في تطوير القوة العسكرية تحضيرا لـ"الحرب الفاصلة". اذ هي تتوهّم امكانية ابرام "هدنة" ما مع الغرب الامبريالي، وبالنظر للحصار الخانق المُسلّط على ايران، حليفها وداعمها الأساسي والوحيد.
لكن مرّة أخرى، يتضّح أنّ مشكلة هذا الحزب الأساسية - كأيّ حزب يميني ديني مهما بلغ من درجات الصدق أو الكفاحية - هي افتقاره للرؤية النقدية في مجال الاقتصاد وعدم استيعابه لتطابق الصراع الوطني مع الصراع الطبقي في بلداننا شبه المستعمَرة. وهو بطبيعته الطائفية يقدّم الانتماء للمذهب والطائفة (بكلّ من فيها من فقراء وأغنياء، كادحين وفاسدين) على حساب الانتماء للطبقة الاجتماعية (رغم ما كان سابقًا من مساحة اشتراك واسعة بين مجاليْ الطائفة والطبقة في حالة اللبنانيين الشيعة تحديدا). ولذلك من الطبيعي أن ينتهي به الأمر إلى وهم تخيّل امكانية استمرار مشروعه المقاوم بالسلاح للعدوّ الصهيوني، ومن ورائه الأمريكي، دون ربطه بالمقاومة الاقتصادية لسياسات البرجوازية الكمبرادورية، التي سيبدأ تدريجيا، كما نرى منذ سنوات، بالتحالف "الاضطراري" معها لينتهي بأن يكون جزءًا منها بالضرورة. وعندها سيضيع كلّ ما في هذه التجربة من ملامح المقاومة، وستذهب تضحيات الشهداء سُدًى.
غسان بن خليفة
تونس 01 سبتمبر 2030

Comments