هذا موقف أكثر واقعية ورصانة من المواقف التي قرأتها إلى حد الآن
حول 25 جويلية: مصلحة الطبقات الشعبيّة أهمّ من النقاشات الدستوريّة
أنهى قيس سعيد هذه العشرية من الالتفاف على الثورة بتغيير من فوق. تلقّت الجماهير الشعبية بفرح كبير طرد كل الوجوه المشؤومة التي حوّلت حياتها إلى جحيم وشوّهت بفشلها ورداءتها الفعل السياسي، أيْ الفِعل الجماعي لتغيير الواقع ونفّرت الناس منه.
لا يهمّنا النقاش الشكلي العقيم حول الدستور والقوانين وتوصيف ما حصل بالانقلاب من عدمه. كما لا نثق في الأشخاص وقدرتهم على التغيير بمفردهم، كائنًا من كانوا. تبقى ثقتنا الوحيدة في مبادرة وتنظّم الطبقات الشعبية لفرض مصالحها وإحداث التغيير من تحت، لا من فوق. يفترض ذلك الحفاظ على المكسب الوحيد الذي حققته ثورة 2010-2011، وهو الحرّيات العامة. تجدر هنا اليقظة حتى لا تأخذ "المحاسبة" منحى التشفي والقمع والاستئصال. يجب ضمان حق الدفاع للجميع ورفض المحاكمات الجائرة. فالقمع والاستبداد إذا انطلق لا يتوقّف عند أحد. كما يجب رفض عسكرة البلاد والدولة وفرض إعلان نظام سياسي جديد وانتخابات، بشروط جديدة، في أقرب وقت.
انتهت عشر سنوات حكَمها تحالف حركة النهضة والتجمّع ومشتقاتهما بتمويل من البرجوازية ودعم من القوى الاستعمارية الخارجية (الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وحلفائهم الاقليميّين) وخدمة لمصالحها. فرضت القوى المنظَّمة مصالحها عن طريق أدواتها: جمعيّة برجوازية المصارف والبنوك المتحكّمة في الاقتصاد، اتّحاد برجوازية الصناعة والتجارة المستكرشة من عرق الكادحين، إعلام ممول ومملوك من نفس البرجوازية يروّج ليلا نهارا لخطابها وأفكارها ومصالحها، الاتحاد العام للبيروقراطية النقابية المتمعّش من المؤسسات العمومية، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، جمعيات الأجندات البرجوازية والخارجية تحت مسمّى "المجتمع المدني"، وأغلبها لا يمتّ بصلة بمشاغل وأولويات المجتمع التونسي... ورغم انتفاضها المستمرّ لم تقدر الطبقات الشعبية على التنظّم لافتكاك السلطة والدفاع عن مصالحها، فزاد تهميشها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
حالما يتمّ ترتيب السلطة بشكل جديد، وحتى قبله، ستسارع هذه البرجوازية والقوى الاستعمارية وأدواتها لطرح إصلاحاتها والدفاع عن مصالحها؛ أي لمزيد استغلالنا ونهب ثرواتنا وإنتاجنا وإغراق سوقنا بمنتوجاتهم ومؤسساتنا باستثماراتهم بذريعة "التشغيل"، الذي لم نر منه شيئًا. سيطرح صندوق النقد الدولي وسماسرته المحلّيون في البنوك واتحاد الصناعة والتجارة إلغاء الدعم وتخفيض الضرائب على الأرباح ومزيدا من الخصخصة والاستثمارات الأجنبية والقائمة تطول. هذا هو الامتحان الحقيقي لقيس سعيّد: هل سيتخذ سياسات اقتصادية وسيادية لصالح الطبقات الشعبيّة أم سيقبل بتواصل نفس السياسات السابقة؟
لا مجال للبهتة والانتظار. بل علينا منذ الآن الأخذ بزمام المبادرة وتطوير برنامجنا الشعبي وفرضه على قيس سعيّد، لا بقوة المال الذي لا نملكه بل بتعبئة الشوارع على المطالب التالية:
1- تسخير المصحّات الخاصة لمجابهة فيروس كورونا وجلب التلاقيح من كل الدول القادرة على توفيرها بعيدا عن منطق التبعية؛
2- تعويض عن البطالة بـ 500 دينار لكل المُعطّلين عن العمل، خاصة بعد تفاقم البطالة بسبب الوضع الصحي. يموّل ذلك عن طريق ضريبة على الثروات الكبرى؛
3- توزيع الأراضي الدولية وأراضي كبار المستثمرين المُهمَلة على المُعطّلين عن العمل من خلال تكوين تعاونيات فلاحية؛
4- تخفيض أسعار المواد الأساسية والنقل والسكن وتحديدها بقرار حكومي؛
5- استرجاع السيادة على البنك المركزي التونسي من أجل تمويل القطاع العمومي (وخاصة الصحّة والتعليم والنقل) وتطويره؛
6- تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني.
السلطة ملك الشعب، الشارع ملك الشعب.
صادر عن "عدل وسيادة"
تونس31 يوليو
Comments